فصل: (فَصْلٌ): (رُجُوعُ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [مَا صَحَّ بَيْعُهُ صَحَّتْ هِبَتُهُ]:

(وَمَا صَحَّ بَيْعُهُ) مِنْ الْأَعْيَانِ (صَحَّتْ هِبَتُهُ) لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ، فَصَحَّتْ فِيمَا صَحَّ فِيهِ الْبَيْعُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ؛ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَيَجُوزُ نَقْلُ الْيَدِ فِي الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَلَيْسَ هِبَةً حَقِيقِيَّةً (وَ) صَحَّ (اسْتِثْنَاءُ نَفْعِهِ) أَيْ: الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ فِي الْهِبَةِ (عِنْدَ إنْشَائِهَا زَمَنًا مُعَيَّنًا) كَشَهْرٍ وَسَنَةٍ، قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ فِيمَا إذَا شَرَطَ فِيهِ الْبَائِعُ نَفْعًا مَعْلُومًا، كَسُكْنَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ شَهْرًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَمَا لَا) يَصِحُّ بَيْعُهُ (فَلَا) تَصِحُّ هِبَتُهُ كَالْكَلْبِ وَجِلْدِ الْمَيِّتَةِ الْمَأْكُولَةِ، وَإِنْ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا. (وَيَتَّجِهُ غَيْرُ نَحْوِ جِلْدِ أُضْحِيَّةٍ) كَجِلْدِ هَدْيٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَتَصِحُّ هِبَتُهُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَتَصِحُّ هِبَةُ مُصْحَفٍ وَإِنْ قِيلَ يُمْنَعُ بَيْعُهُ، قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (فَلَا تَصِحُّ) هِبَةُ مَجْهُولٍ (كَحَمْلٍ بِبَطْنٍ وَلَبَنٍ بِضَرْعٍ وَصُوفٍ عَلَى ظَهْرٍ) خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي الْأَخِيرَةِ؛ لِلْجَهَالَةِ وَتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ (فَإِنْ أَذِنَ رَبُّ شَاةٍ لَهُ) أَيْ: لِإِنْسَانٍ (فِي جَزِّ صُوفِ) هَا (وَحَلْبِ) هَا (فـَ) هُوَ (إبَاحَةٌ) لَا هِبَةٌ. وَإِنْ وَهَبَ دُهْنَ سِمْسِمٍ- وَهُوَ الشَّيْرَجَ- قَبْلَ عَصْرِهِ، أَوْ زَيْتَ زَيْتُونَةٍ، أَوْ جَفَّتْهُ قَبْلَ عَصْرِهِمَا؛ لَمْ يَصِحَّ كَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَأَوْلَى لِكُلْفَةِ الِاعْتِصَارِ (فـَ) قَوْلُ رَبِّ مَالٍ لِآخَرَ (خُذْ مِنْ هَذَا الْكِيسِ مَا شِئْت؛ فَلَهُ أَخْذُ كُلِّ مَا بِهِ). وَلَوْ قَالَ: خُذْ (مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ مَا شِئْت؛ لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَ الْكُلِّ) إذْ الْكِيسُ ظَرْفٌ، فَإِذَا أَخَذَ الْمَظْرُوفَ حَسُنَ أَنْ يُقَالَ: أَخَذْت مِنْ الْكِيسِ مَا فِيهِ، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ: أَخَذْت مِنْ الدَّرَاهِمِ كُلِّهَا. قَالَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي النَّوَادِر. (وَكَذَا) أَيْ: كَالصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا قَوْلُ مَالِكٍ: (مَا أَخَذْت مِنْ مَالِي فَهُوَ لَك أَوْ) قَوْلُهُ: (مَنْ وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مَالِي، فَلَهُ حَيْثُ لَا قَصْدَ) فَهُوَ (هِبَةٌ حَقِيقِيَّةٌ كَمَا) مَرَّ (فِي هِبَةِ دَيْنٍ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: وَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ يَحْصُلُ الْمِلْكُ بِالْقَبْضِ وَنَحْوِهِ، وَلِلْمُبِيحِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا قَالَ قَبْلَ التَّمَلُّكِ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْهِبَةِ يَتَأَخَّرُ الْقَبُولُ فِيهِ عَنْ الْإِيجَابِ كَثِيرًا، وَلَيْسَ بِإِبَاحَةٍ. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ الْهِبَةِ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا (وَ) أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ قَائِلُ ذَلِكَ (بَعْدَ قَبْضٍ) أَخَذَ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ صَادَفَ إذْنًا صَحِيحًا مِنْ مَالِكٍ، فَمَلَك مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمَالِ، وَامْتَنَعَ عَلَى الْمُعْطِي الرُّجُوعُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَأْخُوذِ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ بَابَ الْإِبَاحَةِ أَوْسَعُ) مِنْ بَابِ الْهِبَةِ (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ مِثْلَهُ) فِي الْحُكْمِ (مَنْ يَتَصَدَّقْ) عَلَى شَخْصٍ فَأَكْثَرَ (جُزَافًا) أَيْ: مِنْ غَيْرِ وَزْنٍ وَلَا كَيْلٍ وَلَا عَدٍّ كَالصُّبْرَةِ؛ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا قَابِضُهَا، وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ الرُّجُوعُ بِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَمْلُوكَةً لِلْأَخْذِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تَصِحُّ (هِبَةُ مَجْهُولٍ لَهُمَا) أَيْ: الْوَاهِبِ وَالْمُتَّهِبِ (لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ) نَصًّا كَنَحْلٍ فِي كُوَّارَةٍ، وَحَمْلٍ فِي بَطْنٍ وَنَحْوِهِ، وَتَقَدَّمَ آنِفًا؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ؛ فَلَا تَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ كَالْبَيْعِ (بِخِلَافِ أَعْيَانٍ اشْتَبَهَتْ) كَزَيْتٍ اخْتَلَطَتْ بِزَيْتٍ وَنَحْوِهِ أَوْ بِشَيْرَجٍ (وَتَعَذَّرَ فِيهِ تَمْيِيزُهَا) فَتَصِحُّ هِبَتُهَا (كَمَا مَرَّ فِي الصُّلْحِ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ (فَمَنْ وَهَبَ) أَرْضًا (أَوْ تَصَدَّقَ) بِأَرْضٍ (أَوْ وَقَفَ) أَرْضًا (أَوْ وَصَّى بِأَرْضٍ) يَعْنِي بِجُزْءٍ مِنْهَا (أَوْ بَاعَهَا؛ احْتَاجَ أَنْ يَحُدَّهَا كُلَّهَا) مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ إنْ كَانَتْ مَفْرُوزَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُشَاعَةً يَقُولُ كَذَا سَهْمًا مِنْ كَذَا سَهْمًا؛ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ بَيْتٌ مُشَاعٌ غَيْرُ مَقْسُومٍ، فَتَصَدَّقَ أَحَدُهُمْ عَلَى بَعْضِهِمْ حِصَّةً مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ، هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ قَالَ: إذَا كَانَ سَهْمٌ مِنْ كَذَا وَكَذَا سَهْمٌ؛ فَهُوَ جَائِزٌ، فَإِنْ قَالَ: ثُلُثُهَا أَوْ نَحْوُهُ؛ صَحَّ.
(وَقَالَ أَحْمَدُ: مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَالرَّهْنُ) وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَسُئِلَ عَمَّنْ يَهَبُ رُبْعَ دَارِهِ قَالَ: هُوَ جَائِزٌ (وَقَالَ: إذَا وَقَفَ أَوْ أَوْصَى بِأَرْضٍ مُشَاعَةٍ احْتَاجَ أَنْ يَحُدَّهَا كُلَّهَا، وَكَذَا الْبَيْعُ وَالصَّدَقَةُ هُوَ عِنْدِي وَاحِدٌ) وَأَيْضًا قِيلَ لَهُ: وَهَبْتُ مِنْك نَصِيبِي مِنْ الدَّارِ قَالَ: إنْ كَانَ يَعْلَمُ كَمْ نُصِيبُهُ؛ فَهُوَ جَائِزٌ. (وَلَا) تَصِحُّ (هِبَةُ مَا فِي ذِمَّةِ مَدِينٍ لِغَيْرِهِ إلَّا لِضَامِنِهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ. (وَلَا) تَصِحُّ هِبَةُ (مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ) كَمَغْصُوبٍ لِغَيْرِ غَاصِبِهِ، أَوْ قَادِرٍ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ كَبَيْعِهِ. (وَلَا) يَصِحُّ (تَعْلِيقُهَا) أَيْ: الْهِبَةِ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ فَقَدْ وَهَبْتُك كَذَا، قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي الْحُلَّةِ الْمُهْدَاةِ إلَى النَّجَاشِيِّ: إنْ رَجَعَتْ إلَيْنَا فَهِيَ لَك».
قَالَ الْمُوَفَّقُ عَلَى مَعْنَى الْعِدَّةِ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَقْبَلِ الْمَاضِي وَالْحَالُ؛ فَلَا يَمْنَعُ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ الصِّحَّةَ؛ كَإِنْ كَانَتْ مِلْكِي وَنَحْوِهِ فَقَدْ وَهَبْتُكهَا (بِغَيْرِ مَوْتِ) الْوَاهِبِ؛ فَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِهِ، وَتَكُونُ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِمُعَيَّنٍ فِي الْحَيَاةِ، فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ كَالْبَيْعِ. (وَلَا) يَصِحُّ (اشْتِرَاطُ مَا يُنَافِيهَا) أَيْ: الْهِبَةَ (كَأَنْ) يَشْتَرِطُ الْوَاهِبُ عَلَى الْمُتَّهِبِ أَنْ (لَا يَبِيعَهَا) أَيْ: الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ (أَوْ لَا يَهَبَهَا أَوْ لَا يَأْكُلَهَا وَنَحْوَهُ) كَلَا يَلْبِسُ الثَّوْبَ الْمَوْهُوبَ؛ فَلَا يَصِحُّ الشَّرْطُ؛ إذْ مُقْتَضَى الْمِلْكِ التَّصَرُّفُ الْمُطْلَقُ، فَالْحَجْرُ فِيهِ مُنَافٍ لِمُقْتَضَاهُ (وَتَصِحُّ هِيَ) أَيْ: الْهِبَةُ الْمَشْرُوطُ فِيهَا مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْسَرَ. (وَلَا) تَصِحُّ الْهِبَةُ (مُؤَقَّتَةً) كَوَهَبْتُك شَهْرًا أَوْ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِانْتِهَاءِ الْهِبَةِ؛ فَلَا تَصِحُّ مَعَهُ كَالْبَيِّعِ (إلَّا فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى) فَيَصِحَّانِ وَهُمَا (نَوْعَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِبَةِ) يَفْتَقِرَانِ إلَى مَا تَفْتَقِرُ إلَيْهِ سَائِرُ الْهِبَّاتِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ، وَيَصِحُّ تَوَقِّيَتُهُمَا، سُمِّيَتْ عُمْرَى؛ لِتَقَيُّدِهَا بِالْعُمْرِ، وَسُمِّيَتْ رُقْبَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ: أَعْمَرْتُهُ وَعَمَّرْته مُشَدَّدًا إذَا جُعِلَتْ لَهُ الدَّارُ مُدَّةَ عُمْرِهِ أَوْ عُمْرِي، وَكَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ تَفْعَلُهُ، فَأَبْطَلَ الشَّرْعُ ذَلِكَ (كـَ) قَوْلِهِ: (أَعْمَرْتُكَ أَوْ أَرْقَبْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ) هَذِهِ (الْفَرَسَ أَوْ) هَذِهِ (الْأَمَةَ).
قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: أَرْقَبْتُك أَعْطَيْتُك، وَهِيَ هِبَةٌ تَرْجِعُ إلَى الْمُرْقِبِ إنْ مَاتَ الْمُرْقَبُ، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ (وَنَصَّهُ) أَيْ: الْإِمَامُ (لَا يَطَأُ) الْمَوْهُوبُ لَهُ الْجَارِيَةَ الْمُعْمِرَةَ. نَقَلَ يَعْقُوبُ وَابْنُ هَانِئٍ: مَنْ يُعَمِّرُ الْجَارِيَةَ هَلْ يَطَؤُهَا؟ قَالَ: لَا أَرَاهُ (وَحَمَلَ) الْقَاضِي النَّصَّ الْمَذْكُورَ (عَلَى الْوَرَعِ) لِأَنَّ الْوَطْءَ اسْتِبَاحَةٌ. فَرْعٌ: وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الْعُمْرَى، وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، فَلَمْ يَرَ الْإِمَامُ وَطْأَهَا؛ لِهَذَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَهُوَ؛ أَيْ: مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي بَعِيدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَابُ تَحْرِيمُهُ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بِالْعُمْرَى قَاصِرٌ.
(وَ) إنْ قَالَ: (جَعَلْتُهَا) أَيْ: الدَّارَ أَوْ الْفَرَسَ أَوْ الْجَارِيَةَ (لَك عُمْرَك أَوْ) جَعَلْتهَا لَك (حَيَاتَكَ أَوْ) جَعَلْتهَا لَك (عُمْرَى أَوْ) جَعَلْتهَا لَك (رُقْبَى أَوْ) جَعَلْتهَا لَك (مَا بَقِيت) أَوْ مَا حَيِيت أَوْ مَا عِشْت (أَوْ أَعْطَيْتُكهَا عُمْرَك وَنَحْوَهُ) كَمَا بَقِيت أَوْ حَيَاتَكَ أَوْ عُمْرَى أَوْ رُقْبَى (فَتَصِحُّ) الْهِبَةُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ، وَهِيَ أَمْثِلَةُ الْعُمْرَى (وَتَكُونُ) الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ (لِمُعْطَى وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ إنْ كَانُوا، كَتَصْرِيحِهِ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُعْمِرُ: هِيَ لَك وَلِعَقِبِك مِنْ بَعْدِك (وَإِلَّا) يَكُنْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَارِثٌ فَهِيَ (لِبَيْتِ الْمَالِ) نَصًّا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُخَلَّفَةِ عَنْهُ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا تُفْسِدُوهَا؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا». وَفِي الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ عَنْ جَابِرٍ: «قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ». وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ. وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ: «الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا»، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا تُعْمِرُوا وَلَا تَرْقُبُوا، فَمَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا». وَعَقِبِهِ إنَّمَا وَرَدَ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْلَامِ لَهُمْ بِنُفُوذِهَا بِدَلِيلِ السِّيَاقِ، وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ أُرِيدُ بِهِ حَقِيقَةُ النَّهْيِ لَمْ يَمْنَعْ الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِيهَا عَلَى فَاعِلِهَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْهُ لَا يَقْتَضِي فَسَادُهُ كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَإِنْ أَضَافَ الْهِبَةَ إلَى عُمْرِ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، بِأَنْ قَالَ: وَهَبْتُك الدَّارَ وَنَحْوَهَا عُمْرَ زَيْدٍ؛ لَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ؛ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ، وَلَيْسَتْ مِنْ الْعُمْرَى وَلَا الرُّقْبَى. (وَإِنْ شَرَطَ) وَاهِبٌ عَلَى مَوْهُوبٍ لَهُ (رُجُوعَهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (فِي لَفْظِ إرْقَابٍ وَنَحْوِهِ) كَإِعْمَارٍ (لِغَيْرِهِ) عِنْدَ مَوْتِ الْمَوْهُوبِ قَبْلَهُ، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: وَهَبْتُك هَذِهِ الدَّارَ، وَهِيَ لَك عُمْرَك عَلَى أَنَّك إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَيَّ أَوْ إلَى فُلَانٍ، وَإِنْ مِتَّ أَوْ مَاتَ قَبْلَك اسْتَقَرَّتْ عَلَيْك؛ فَهِيَ الرُّقْبَى؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ (أَوْ) شَرَطَ وَاهِبٌ [رُجُوعَهَا (لَهُ) بِنَفْسِهِ (عِنْدَ مَوْتِهِ) أَيْ: فُلَانٍ (أَوْ) عِنْدَ (مَوْتِ مُتَّهِبٍ قَبْلَهُ)]؛ أَيْ: قَبْلَ وَاهِبٍ (أَوْ شَرَطَ) وَاهِبٌ (رُجُوعَهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ (إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْوَاهِبِ (أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ) شَرَطَ وَاهِبٌ رُجُوعَهَا إلَى (آخَرِهِمَا مَوْتًا؛ لُغِيَ الشَّرْطُ، وَصَحَّتْ) الْهِبَةُ (لِمُعْمَرٍ) اسْمُ مَفْعُولٍ (وَ) بَعْدَهُ (لِوَرَثَتِهِ) فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَلِبَيْتِ الْمَالِ (كَالْأَوَّلِ) أَيْ: كَالْمَذْكُورِ أَوَّلًا مِنْ صُوَرِ الْعُمْرَى، وَلَا تُرْجَعُ الْعَيْنُ إلَى وَاهِبٍ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَرْقُبُوا وَلَا تُعْمِرُوا؛ فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا، أَوْ أَعْمَرَهُ؛ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالسَّنَدُ صَحِيحٌ بِلَا إشْكَالٍ. وَأَخْرَجُهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَرَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ نَحْوَهُ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ.؛ فَهَذِهِ نُصُوصٌ تَدُلُّ عَلَى مِلْكِ الْمُعْمَرِ وَالْمُرْقَبِ مَعَ بُطْلَانِ شَرْطِ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْعَيْنَ لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهُ بِالشَّرْطِ، وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ؛ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ، وَبَطَلَ الشَّرْطُ؛ كَشَرْطِهِ فِي الْبَيْعِ أَنْ لَا يَبِيعَ. وَلَوْ جَعَلَ اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا دَارِهِ لِلْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَهُ عَادَتْ إلَيْهِ فَرُقْبَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
فَائِدَةٌ:
وَإِنْ قَالَ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ فِي قِنٍّ لِلْقِنِّ الْمُشْتَرَكِ: أَنْتِ حَبِيسٌ عَلَى آخَرِنَا مَوْتًا، لَمْ يُعْتَقْ بِمَوْتِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَيَكُونُ فِي يَدِ الْآخَرِ عَارِيَّةً، فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ انْتَهَى.
(وَ) لَا يَصِحُّ إعْمَارُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا إرْقَابُهَا، فَلَوْ قَالَ رَبُّ بَيْتٍ لِآخَرَ (مَنَحْتُكَهُ عُمْرَك) فَعَارِيَّةٌ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: مَنَحَهُ النَّاقَةَ جَعَلَ لَهُ وَبَرَهَا وَلَبَنَهَا وَوَلَدَهَا، وَهِيَ الْمِنْحَةُ وَالْمَنِيحَةُ، أَوْ قَالَ مَنَحْتُك (غَلَّتَهُ) أَيْ: الْبَيْتِ لَك عُمْرَك (أَوْ) قَالَ رَبُّ بَيْتٍ أَوْ بُسْتَانٍ: مَنَحْتُك (سُكْنَاهُ) أَيْ: الْبَيْتِ أَوْ الْبُسْتَانِ عُمْرَك فَعَارِيَّةٌ (أَوْ) قَالَ رَبُّ عَبْدٍ: مَنَحْتُك (خِدْمَتَهُ لَك) عُمْرَك (فَعَارِيَّةٌ وَإِبَاحَةٌ تَلْزَمُ فِي قَدْرِ مَا قَبَضَهُ مِنْ غَلَّةٍ قَبْلَ رُجُوعِ) الْمَانِحِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لِلْمَانِحِ الرُّجُوعَ فِي مِنْحَتِهِ مَتَى شَاءَ فِي حَيَاةِ الْمَمْنُوحِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ، وَيَصِحُّ إعْمَارُ مَنْقُولٍ وَإِرْقَابُهُ مِنْ حَيَوَانٍ كَعَبْدٍ وَجَارِيَةٍ وَنَحْوِهِمَا كَبَعِيرٍ وَشَاةٍ وَغَيْرِ حَيَوَانٍ كَثَوْبٍ وَكِتَابٍ؛ لِعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا أَوْ أَعْمَرَهُ؛ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ». (تَنْبِيهٌ: يَصِحُّ عَدُّ شُرُوطِ هِبَةٍ أَحَدَ عَشَرَ: كَوْنُهَا مِنْ جَائِزِ تَصَرُّفٍ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ (مُخْتَارٍ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ (جَادٍّ) فَلَا تَصِحُّ مِنْ هَازِلٍ (بِمَالٍ) مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ (يَصِحُّ بَيْعُهُ) فَلَا تَصِحُّ هِبَةُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ (بِلَا عِوَضٍ) فَإِنْ كَانَتْ بِعِوَضٍ فَهِيَ بِمَعْنَى الْبَيْعِ (لِمَنْ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ) وَهُوَ الْحُرُّ (مَعَ قَبُولِهِ) إنْ كَانَ رَشِيدًا (أَوْ) قَبُولِ (وَلِيِّهِ) إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ وُجُودُ الْقَبُولِ (قَبْلَ تَشَاغُلٍ بِقَاطِعٍ) عُرْفًا (مَعَ تَنْجِيزٍ) لِهِبَةٍ فِي الْحَالِ (أَوْ) مَعَ (عَدَمِ تَوْقِيتٍ) إلَّا فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى، وَتَقَدَّمَ.

.(فَصْلٌ): [فِي حُكْمِ عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ وَحُكْمِ الرُّجُوعِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ]:

(وَيَجِبُ عَلَى وَاهِبٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (تَعْدِيلٌ بَيْنَ مَنْ يَرِثُ) مِنْ الْوَاهِبِ (بِقَرَابَةٍ لَا زَوْجِيَّةٍ) وَوَلَاءٍ، فَلَا يَجِبُ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ، بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ (مِنْ وَلَدٍ وَغَيْرِهِ) كَأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ وَابْنِهِ وَعَمٍّ وَابْنِهِ فِي عَطِيَّتِهِمْ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «قَالَتْ امْرَأَةُ بَشِيرٍ لِبَشِيرٍ: أَعْطِ ابْنِي غُلَامَكَ، وَأَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ ابْنَةَ فُلَانٍ سَأَلَتْنِي أَنْ أَنْحَلَ ابْنَهَا غُلَامِي، قَالَ: أَلَهُ إخْوَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: كُلُّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا، وَإِنِّي لَا أَشْهَدُ إلَّا عَلَى حَقٍّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، وَقَالَ فِيهِ: «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ، إنَّ لِبَنِيكَ عَلَيْك مِنْ الْحَقِّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ». وَفِي لَفْظِ لِمُسْلِمٍ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ». وَلِلْبُخَارِيِّ مِثْلُهُ، لَكِنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْعَطِيَّةِ، فَأَمَرَ بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ، وَسَمَّى تَخْصِيصَ أَحَدِهِمْ دُونَ الْبَاقِينَ جَوْرًا، وَالْجَوْرُ حَرَامٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِالْعَدْلِ لِلْوُجُوبِ، وَقِيسَ عَلَى الْأَوْلَادِ بَاقِي الْأَقَارِبِ بِجَامِعِ الْقَرَابَةِ، وَخَرَجَ مِنْهُ الزَّوْجَاتُ وَالْمَوَالِي؛ فَلَا يَجِبُ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ فِي الْهِبَةِ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ التَّعْدِيلِ (فِي هِبَةِ) شَيْءٍ (غَيْرِ تَافِهٍ) لِأَنَّهُ يَتَسَامَحُ بِهِ، فَلَا يَحْصُلُ التَّأَثُّرُ وَالتَّعْدِيلُ الْوَاجِبُ (بِكَوْنِهَا) أَيْ: الْعَطِيَّةِ لِلْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَنَحْوِهِمْ (بِقَدْرِ إرْثِهِمْ) مِنْهُ ( {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}) اقْتِدَاءً بِقِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيَاسًا لِحَالَةِ الْحَيَاةِ عَلَى حَالَةِ الْمَوْتِ.
قَالَ عَطَاءٌ: مَا كَانُوا يَقْسِمُونَ إلَّا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَائِدَةٌ:
نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ وَحَنْبَلٍ فِيمَنْ لَهُ أَوْلَادُ زَوْجِ بَعْضِ بَنَاتِهِ فَجَهَّزَهَا وَأَعْطَاهَا، قَالَ: يُعْطِي جَمِيعَ وَلَدِهِ مِثْلَ مَا أَعْطَاهَا. وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ لَهُ وَلَدٌ يُزَوِّجُ الْكَبِيرَ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَيُعْطِيه، قَالَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ كُلَّهُمْ مِثْلَ مَا أَعْطَاهُ، أَوْ يَمْنَحُهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ. وَرَوَى عَنْهُ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَى ذَلِكَ، وَقَدْ اسْتَوْعَبَهَا الْحَارِثِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (إلَّا فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ فَتَجِبُ الْكِفَايَةُ) دُونَ التَّعْدِيلِ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ فِي طَعَامٍ وَغَيْرِهِ.
قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى فِي الْقُبَلِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَخَلَ فِيهِ نَظَرٌ وَوَقْفٌ (وَحَلَّ) لِمَنْ ذُكِرَ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَغَيْرِهِمَا (تَفْضِيلٌ) لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ (بِإِذْنٍ بَاقٍ) مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ التَّخْصِيصِ كَوْنُهُ يُوَرِّثُ الْعَدَاوَةَ، وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ مَعَ الْإِذْنِ (وَإِلَّا) بِأَنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِالْعَطِيَّةِ، أَوْ فَضَّلَهُ بِالْإِعْطَاءِ بِلَا إذْنِ الْبَاقِي (أَثِمَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَرَجَعَ) الْأَبُ وُجُوبًا دُونَ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا فِيمَا خُصَّ بِهِ أَوْ فَضَّلَ (إنْ جَازَ) أَيْ: إنْ أَمْكَنَ رُجُوعُهُ بِهِ بِأَنْ كَانَ بَاقِيًا، وَقَدَرَ عَلَى اسْتِرْجَاعِهِ، أَوْ (أَعْطَى حَتَّى يَسْتَوُوا) بِمَنْ خَصَّهُ نَصًّا (فَلَوْ زَوَّجَ أَحَدَ ابْنَيْهِ) فِي صِحَّتِهِ (بِصَدَاقٍ) أَدَّاهُ الْأَبُ (مِنْ عِنْدِهِ) ثُمَّ مَرِضَ الْأَبُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (وَجَبَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْأَبِ (إعْطَاءُ) ابْنِهِ (الْآخَرِ مِثْلَهُ) أَيْ: مِثْلَ مَا أَعْطَى الْأَوَّلَ لِيَسْتَوِيَ بِمَنْ خَصَّهُ.
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ (وَلَوْ بِمَرَضِ مَوْتِهِ) لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا وَاجِبَةٌ، وَلَا طَرِيقَ لَهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إلَّا بِعَطِيَّةِ الْآخَرِ، فَتَكُونُ وَاجِبَةً؛ إذْ لَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ هُنَاكَ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَلَكَتْ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ (وَلَا يُحْسَبُ) مَا يُعْطِيه الْأَبُ لِابْنِهِ الثَّانِي (مِنْ الثُّلُثِ) مَعَ أَنَّهُ عَطِيَّةٌ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ (لِأَنَّهُ تَدَارُكٌ لِلْوَاجِبِ؛ أَشْبَهَ قَضَاءَ الدَّيْنِ) وَيَجُوزُ لِلْأَبِ تَمَلُّكُ مَا يُعْطِيه لِلتَّسْوِيَةِ بِلَا حِيلَةٍ، قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ؛ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ (فَإِنْ مَاتَ) مُعْطٍ (قَبْلَهُ) أَيْ: التَّعْدِيلِ (وَلَيْسَتْ) الْعَطِيَّةُ (بِمَرَضِ مَوْتِهِ) الْمَخُوفِ (ثَبَتَتْ الْعَطِيَّةُ لِآخِذٍ) فَلَا يَمْلِكُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ الرُّجُوعَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ وَالْمَيْمُونِيِّ؛ لِخَبَرِ الصِّدِّيقِ، وَتَقَدَّمَ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْآخِذُ أَجْنَبِيًّا؛ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لِذِي رَحِمٍ؛ فَلَزِمَتْ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ. (وَتُحَرَّمُ الشَّهَادَةُ عَلَى تَفْضِيلٍ أَوْ تَخْصِيصٍ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً) وَلَوْ كَانَ الْأَدَاءُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَصِّصِ وَالْمُفَضِّلِ (إنْ عَلِمَ) الشَّاهِدُ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ التَّفْضِيلِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لِبَشِيرٍ «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ». فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي»، وَهُوَ أَمْرٌ، وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ الِاسْتِحْبَابُ، فَكَيْفَ تُحَرَّمُ الشَّهَادَةُ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَهْدِيدٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} وَلَوْ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا الْمَعْنَى بَشِيرٌ لَبَادَرَ إلَى الِامْتِثَالِ، وَلَمْ يَرُدَّ الْعَطِيَّةَ (وَكَذَا) فِي حُكْمِ تَحْرِيمِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ (كُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ عِنْدَهُ) أَيْ: الشَّاهِدِ، فَتُحَرَّمُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَبَيْعٍ غَيْرِ مَرْئِيٍّ وَلَا مَوْصُوفٍ؛ لِاعْتِقَادِهِ عَدَمَ جَوَازِهِ قِيَاسًا عَلَى التَّخْصِيصِ إنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ مَنْ يَرَاهُ (وَلَا يَجِبُ عَلَى مُسْلِمٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ [مِنْ أَهْلِ] الذِّمَّةِ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَكَلَامُ غَيْرِهِ لَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ مِنْهُ.
تَنْبِيهٌ:
وَلَا فَرْقَ فِي امْتِنَاعِ التَّخْصِيصِ وَالتَّفْضِيلِ بَيْنَ كَوْنِ الْبَعْضِ ذَا حَاجَةٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ عَمًى أَوْ عِيَالٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ لَا، وَلَا كَوْنِ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَاسِقًا أَوْ مُبْتَدِعًا أَوْ مُبَذِّرًا، أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى فِي الرَّجُلِ لَهُ الْوَلَدُ الْبَارُّ الصَّالِحُ وَآخَرُ غَيْرُ بَارٍّ؛ لَا يُنِيلُ الْبَارَّ دُونَ الْآخَرِ (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) كَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ وَالنَّاظِمِ (جَوَازَ تَفْضِيلٍ) لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ (لِمَعْنَى حَاجَةٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ عَمًى أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَةٍ أَوْ اشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ) وَنَحْوِهِ كَصَلَاحٍ (وَكَذَا لَوْ مَنَعَهُ) أَيْ: مَنَعَ الْأَبُ بَعْضَ وَلَدِهِ (لِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ أَوْ كَوْنِهِ يَعْصِي اللَّهَ بِمَا يَأْخُذُهُ) اسْتِدْلَالًا بِتَخْصِيصِ الصِّدِّيقِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَيْسَ إلَّا لِامْتِيَازِهَا بِالْفَضْلِ، وَلَنَا عُمُومُ الْأَمْرِ بِالتَّسْوِيَةِ، وَفِعْلُ الصِّدِّيقِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَحَلَ مَعَهَا غَيْرَهَا، أَوْ أَنَّهُ نَحَلَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَنْحَلَ غَيْرَهَا، فَأَدْرَكَ الْمَرَضَ وَنَحْوَهُ (وَتُبَاحُ) لِمَنْ لَهُ وَرَثَةٌ (قِسْمَةُ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ) نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُولَدَ لَهُ؛ لِأَنَّهَا قِسْمَةٌ لَيْسَ فِيهَا جَوْرٌ، فَجَازَتْ فِي جَمِيعِ مَالِهِ كَبَعْضِهِ (وَيُعْطَى) وَارِثٌ (حَادِثٌ) بَعْدَ الْقِسْمَةِ (حِصَّتُهُ) مِمَّا قُسِمَ (وُجُوبًا) لِيَحْصُلَ التَّعْدِيلُ، وَإِنْ حَدَثَ الْوَارِثُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ اُسْتُحِبَّ لِلْمُعْطِي أَنْ يُسَاوِيَ الْمَوْلُودَ الْحَادِثَ بَعْدَ مُوَرَّثِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ، وَإِزَالَةِ الشَّحْنَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا سَبَقَ فِي الْوَقْفِ مِنْ قَوْلِهِ: دَخَلَ الْمَوْجُودُونَ فَقَطْ أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي الْعَطِيَّةِ وَاجِبَةٌ، وَفِي الْوَقْفِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَتَأَتَّى الرُّجُوعُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْعَطِيَّةِ (وَسُنَّ لِوَاقِفٍ) شَيْئًا (عَلَى وَرَثَتِهِ) أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمْ (بِأَنْ لَا يُفَضِّلَ ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى) مِنْ أَوْلَادٍ وَإِخْوَةٍ وَنَحْوِهِمْ (إلَّا لِحَاجَةِ عَائِلَةٍ وَنَحْوِهِ) كَزَمَانَةٍ وَعَمًى وَاشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ (قِيلَ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ فَضَّلَ. قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي عَلَى وَجْهِ الْأَثَرَةِ إلَّا لِعِيَالٍ بِقَدْرِهِمْ) وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا. (وَيَصِحُّ) مِنْ مَرِيضٍ مَرَضِ الْمَوْتِ (وَقْفُ ثُلُثِهِ) فَأَقَلَّ (فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ (عَلَى بَعْضِهِمْ) أَيْ: الْوَرَثَةِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْمَيْمُونِيُّ: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقِفَ فِي مَرَضِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ تَذْهَبُ أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَالْوَقْفُ غَيْرُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوَرَّثُ وَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ؛ أَيْ: مِلْكًا مُطْلَقًا، وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بِحَدِيثِ عُمَرَ حَيْثُ قَالَ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ أَنَّ ثَمْغًا صَدَقَةٌ، وَالْعَبْدَ الَّذِي فِيهِ وَالسَّهْمَ الَّذِي بِخَيْبَرَ وَرَقِيقَهُ الَّذِي فِيهِ وَالْمِائَةَ وَسْقٍ الَّذِي أَطْعَمَنِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلِيه حَفْصَةُ مَا عَاشَتْ، ثُمَّ يَلِيه ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهِ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى تُنْفِقُهُ حَيْثُ تَرَى مِنْ السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَذِي الْقُرْبَى، وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ يُوَلِّيه إنْ أَكَلَ وَاشْتَرَى رَقِيقًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا وَيَجْرِي الْوَقْفُ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ مَجْرَى الْوَصِيَّةِ فِي أَنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ بِهِ لَا فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِجَازَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَلَوْ وَقَفَ دَارًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا عَلَى ابْنِهِ وَبِنْتِهِ بِالسَّوِيَّةِ فَرَدَّا؛ فَثُلُثُهَا وَقْفٌ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَثُلُثَاهَا مِيرَاثٌ، وَإِنْ رَدَّ الِابْنُ وَحْدَهُ؛ فَلَهُ ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ إرْثًا وَلِلْبِنْتِ ثُلُثُهُمَا وَقْفًا، وَإِنْ رَدَّتْ الْبِنْتُ وَحْدَهَا، فَلَهَا ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ إرْثًا، وَلِلِابْنِ نِصْفُهُمَا وَقْفًا، وَسُدُسُهُمَا إرْثًا، لِرَدِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لِرَدِّ التَّسْوِيَةِ فَقَطْ دُونَ أَصْلِ الْوَقْفِ كَمَا لَوْ قَالَ: رَدَدْت تَسْوِيَةَ وَالِدِي بَيْنِي وَبَيْنَ أُخْتِي فِي الْوَقْفِ؛ فَإِنَّهُ يُبْطَلُ الْوَقْفُ فِي سُدُسِ الثُّلُثَيْنِ وَهُوَ نِصْفُ الْبِنْتِ الَّذِي بِهِ حَصَلَتْ التَّسْوِيَةُ، وَيَبْقَى لَهَا ثُلُثُ الثُّلُثَيْنِ وَقْفًا عَلَيْهَا، وَالسُّدُسُ الَّذِي يُبْطَلُ الْوَقْفُ فِيهِ يَكُونُ إرْثًا لِلِابْنِ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ مِنْ وَقْفٍ غَيْرِ النِّصْفِ، فَلَا نَحْكُمُ بِوَقْفِيَّةِ هَذَا السُّدُسِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُقْتَضَى، وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ التَّشْبِيهِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ مَا إذَا أَرَادَتْ الْبِنْتُ وَحْدَهَا وَهُوَ أَنَّ نِصْفَ الثُّلُثَيْنِ لِلِابْنِ وَقْفًا، وَسُدُسَهُمَا لَهُ إرْثًا فِي الصُّورَتَيْنِ، فَهَذَا هُوَ الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا.
وَ(لَا) يَنْفُذُ وَقْفُ مَرِيضٍ (بـِ) جُزْءٍ (زَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ) أَيْ: ثُلُثِ مَالِهِ كَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ (وَلَوْ) كَانَ وَقْفُهُ (عَلَى أَجْنَبِيٍّ) كَالْعَطِيَّةِ فِي الْمَرَضِ وَالْوَصِيَّةِ (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَنْفُذُ وَقْفُ الْمَرِيضِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ (بِلَا إجَازَةٍ) مِنْ الْوَرَثَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى بَعْضِهِمْ أَوْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ كَالْعَطِيَّةِ فِي الْمَرَضِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.(فَصْلٌ): [رُجُوعُ الْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ]:

(وَحُرِّمَ وَلَا يَصِحُّ رُجُوعُ وَاهِبٍ) فِي هِبَتِهِ (بَعْدَ قَبْضِ مُعْتَبَرٍ) بِأَنْ يَكُونَ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ أَوْ وَكِيلِهِ؛ لِلُزُومِهَا بِهِ (وَلَوْ) كَانَتْ الْهِبَةُ (صَدَقَةً وَهَدِيَّةً وَنِحْلَةً، أَوْ نُقُوطًا وَحُمُولَةً فِي نَحْوِ عُرْسٍ) كَخِتَانٍ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَ قَتَادَةُ: وَلَا أَعْلَمُ الْقَيْءَ إلَّا حَرَامًا، وَسَوَاءٌ عُوِّضَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُعَوَّضْ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ وَتَقَدَّمَ (إلَّا مَنْ وَهَبَتْ زَوْجَهَا) شَيْئًا (بِمَسْأَلَتِهِ) إيَّاهَا لَهُ (ثُمَّ ضَرَّهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا. نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ إذَا وَهَبَتْ لَهُ مَهْرَهَا، فَإِنْ كَانَ سَأَلَهَا ذَلِكَ رَدَّهُ إلَيْهَا رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَهَبُ إلَّا مَخَافَةَ غَضَبِهِ أَوْ إضْرَارٍ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلَهَا وَتَبَرَّعَتْ بِهِ؛ فَهُوَ جَائِزٌ انْتَهَى.
لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَطِبْ بِهَا نَفْسًا وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ طِيبِ نَفْسِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} وَغَيْرُ الصَّدَاقِ كَالصَّدَاقِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهَا (لَا) تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ (مُطْلَقًا بَلْ) تَرْجِعُ عَلَيْهِ (بِشُرُوطٍ) كَمَا لَوْ وَهَبَتْهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ، فَلَمْ يَنْدَفِعْ، أَوْ لِوُجُودِ شَرْطٍ فَلَمْ يُوجَدْ، وَهَذَا قَوْلٌ مَرْجُوحٌ فِي الْمَذْهَبِ (وَ) إلَّا (الْأَبُ) الْأَقْرَبُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً وَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِرُجُوعِهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. وَلَوْ وَهَبَ كَافِرٌ لِوَالِدِهِ الْكَافِرِ شَيْئًا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْوَلَدُ؛ فَلِأَبِيهِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ، خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ.
قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: لَيْسَ هِيَ عِنْدِي كَالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، بِخِلَافِ الْأُمِّ وَبِوِلَايَتِهِ وَحِيَازَتِهِ جَمِيعِ الْمَالِ وَهَذَا فِي الْأَبِ (الْوَاحِدِ خَاصَّةً) بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى وَلَدًا مَجْهُولَ النَّسَبِ اثْنَانِ، وَوَهَبَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا شَيْئًا؛ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ؛ لِانْتِفَاءِ ثُبُوتِ الدَّعْوَى، وَإِنْ ثَبَتَ اللِّحَاقُ بِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ الرُّجُوعُ (وَلَوْ) كَانَ مَا قَبَضَهُ الْوَلَدُ (صَدَقَةً) إذْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْهِبَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَنَصَرَاهُ (أَوْ تَعَلَّقَ بِمَا وَهَبَ) الْأَبُ لِوَلَدِهِ (حَقٌّ كَفَلَسٍ) أَيْ: كَأَنْ يُفْلِسَ الْوَلَدُ وَالْمَالُ الْمَوْهُوبُ فِي يَدِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ حَجَرَ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَجْرَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي الْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ والْإِقْنَاعِ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ مَانِعٍ مِنْ الرُّجُوعِ كَالرَّهْنِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ وَالْمُرْتَهِنِ بِالْعَيْنِ، وَفِي الرُّجُوعِ إبْطَالٌ لِذَلِكَ، وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». وَقَالَ الْحَارِثِيُّ عِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ فِيهِ أَنَّهُ الصَّوَابُ بِلَا خِلَافٍ، فَالْأَوْلَى حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى فَلَسٍ لَا حَجْرَ مَعَهُ لِيُوَافِقَ مَا ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ (أَوْ) تَعَلَّقَ بِالْمَوْهُوبِ (رَغْبَةٌ كَتَزْوِيجٍ) أَيْ: بِأَنْ يُزَوِّجُوا الْمَوْهُوبَ لَهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا رَغْبَةً فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ، أَوْ يَتَزَوَّجُوهَا إنْ كَانَتْ أُنْثَى رَغْبَةً فِيمَا بِيَدِهَا مِنْ الْمَالِ الْمَوْهُوبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَايَنُوا الْمَوْهُوبَ لَهُ أَوْ أَقْرَضُوهُ أَوْ بَاعُوهُ أَوْ أَجَرُوهُ وَنَحْوُهُ؛ لِوُجُودِ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ الَّذِي وَهَبَهُ لَهُ أَبُوهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ رُجُوعَ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ (إلَّا إذَا وَهَبَهُ) أَيْ: وَهَبَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ (سُرِّيَّةً لِإِعْفَافِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهَا (وَلَوْ اسْتَغْنَى) عَنْهَا الْوَلَدُ بِتَزَوُّجِهِ أَوْ شِرَائِهِ غَيْرَهَا وَنَحْوِهِ (أَوْ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوْجَةِ (أَوْ) إلَّا (إذَا أَسْقَطَ) الْأَبُ (حَقَّهُ مِنْ رُجُوعٍ) فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ، فَيَسْقُطُ خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ مُجَرَّدُ حَقِّهِ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ، بِخِلَافِ وِلَايَةِ النِّكَاحِ؛ فَإِنَّهَا حَقٌّ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمَرْأَةِ بِدَلِيلِ إثْمِهِ بِالْعَضْلِ، بِخِلَافِ الرُّجُوعِ (وَلَا يَمْنَعُهُ) أَيْ: الرُّجُوعُ (نَقْصَ) عَيْنٍ مَوْهُوبَةٍ بِيَدِ وَلَدٍ سَوَاءٌ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا أَوْ ذَاتُهَا بِتَآكُلِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا أَوْ جَنَى عَلَيْهَا، أَوْ جَنَى الْمَوْهُوبُ، فَتَعَلَّقَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ بِرَقَبَتِهِ، وَعَلَى الْأَبِ فِي هَذِهِ إنْ رَجَعَ ضَمَانُ أَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الِابْنِ لِلْأَبِ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَمَتَى رَجَعَ فِي رَقِيقٍ أَوْ بَهِيمَةٍ- وَقَدْ جَنَى عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا- فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ لِلِابْنِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ (فَيَرْجِعُ) الْأَبُ (فِي) مَوْهُوبٍ (مُتَعَيِّبٍ) وَتَقَدَّمَتْ أَمْثِلَتُهُ (وَ) فِي (بَاقٍ مِنْ تَالِفٍ) فِي عَبْدٍ (وَآبِقٍ) لِبَقَاءِ الْمِلْكِ (وَجَانٍ) كَمَا ذَكَرْنَا (وَلَا) يَمْنَعُ الرُّجُوعَ (زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ كَثَمَرٍ جُذَّ) أَيْ: جَذَّهُ الْوَلَدُ وَكَوَلَدِ الْبَهِيمَةِ وَكَسْبِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْأَصْلِ دُونَ النَّمَاءِ (لَا) إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً كَثَمَرٍ (قَبْلَ) جَذِّهِ (وَلَوْ) كَانَ الْمَوْهُوبُ (نَخْلًا أُبِّرَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُتَّصِلًا مَا لَمْ يُجَذُّ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَهَبَهُ نَخْلًا، فَحَمَلَتْ فَقَبْلَ التَّأْبِيرِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وَبَعْدَهُ مُنْفَصِلَةٌ (وَهِيَ) أَيْ: الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ لِـ (لْوَلَدِ) لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ فِي مِلْكِهِ، وَلَا تُتَّبَعُ فِي الْفُسُوخِ فَكَذَا هُنَا (إلَّا إذَا حَمَلَتْ الْأَمَةُ) الْمَوْهُوبَةُ لِلْوَلَدِ (وَوَلَدَتْ) عِنْدَهُ (فَيُمْنَعُ) الرُّجُوعُ (فِي الْأُمِّ) الْمَوْهُوبَةِ؛ لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا (وَتَمْنَعُهُ) أَيْ: الرُّجُوعَ زِيَادَةٌ (مُتَّصِلَةٌ تَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ) أَيْ: قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ (كَسِمَنٍ وَكِبَرٍ وَحَمْلٍ) بِأَنْ وَهَبَ الْأَبُ وَلَدَهُ أَمَةً أَوْ بَهِيمَةً حَامِلًا، فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الِابْنِ؛ فَالْوَلَدُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِاعْتِبَارِ الْكِبَرِ، وَإِنْ وَهَبَهُ أَمَةً أَوْ بَهِيمَةً حَامِلًا، ثُمَّ رَجَعَ الْأَبُ فِيهَا حَامِلًا، فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا بِالْحَمْلِ؛ فَزِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ (وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ) أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ قُرْآنٍ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيهَا كَالْمُنْفَصِلَةِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فِيهَا امْتَنَعَ فِي الْأَصْلِ؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَضَرَرِ التَّشْقِيصِ، وَلِأَنَّهُ اسْتِرْجَاعٌ لِلْمَالِ بِفَسْخٍ لِغَيْرِ عَيْبٍ فِي عِوَضِهِ؛ فَمَنْعُهُ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ كَاسْتِرْجَاعِ الصَّدَاقِ بِفَسْخِ النِّكَاحِ أَوْ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ أَوْ رُجُوعِ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ لِفَلَسِ الْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَقَدْ رَضِيَ بِبَذْلِ الزِّيَادَةِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَإِنْ زَادَ بِبُرْئِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ صَمَمٍ؛ مُنِعَ الرُّجُوعُ كَسَائِرِ الزِّيَادَاتِ (وَيُصَدَّقُ الْأَبُ فِي عَدَمِهَا) أَيْ: الزِّيَادَةِ إنْ أَنْكَرَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ.
(وَ) يَمْنَعُ الرُّجُوعَ (رَهْنُ) مَوْهُوبٍ (لَزِمَ) لِأَنَّ فِي رُجُوعِهِ إبْطَالًا لَحِقَ الْمُرْتَهِنِ وَإِضْرَارًا بِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا (إلَّا أَنْ يَنْفَكَّ) الرَّهْنُ بِوَفَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَيَمْلِكُ الرُّجُوعَ إذَنْ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الِابْنِ لَمْ يَزُلْ وَإِنَّمَا طَرَأَ مَعْنَى قَطْعِ التَّصَرُّفِ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ، فَمُنِعَ الرُّجُوعُ، فَإِذَا زَالَ زَالَ الْمَنْعُ وَيُمْنَعُ الرُّجُوعُ أَيْضًا (وَهِبَةُ وَالِدٍ) مَا وَهَبَهُ لَهُ أَبُوهُ (لِوَلَدِهِ) لِأَنَّ فِي رُجُوعِ الْأَبِ إبْطَالًا لِمِلْكِ غَيْرِ ابْنِهِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ (إلَّا أَنْ يَرْجِعَ هُوَ) أَيْ: الْوَاهِبُ الثَّانِي فِي هِبَتِهِ لِابْنِهِ، فَإِنَّ الْوَاهِبَ الْأَوَّلَ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ هِبَتَهُ بِرُجُوعِهِ، فَعَادَ إلَيْهِ الْمِلْكُ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ (وَ) يَمْنَعُ الرُّجُوعَ (بَيْعُهُ) أَيْ: الْوَلَدِ (وَنَحْوِهِ مِمَّا يَنْتَقِلُ لِمِلْكِهِ) فِي الرَّقَبَةِ؛ كَأَنْ يَهَبَهُ أَوْ يَقِفَهُ، وَكَذَا مَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَوْهُوبَةِ كَاسْتِيلَادِهَا، أَوْ لَمْ يَهَبْهَا لَهُ لِذَلِكَ (إلَّا أَنْ يَرْجِعَ) الْمَبِيعُ (إلَيْهِ) أَيْ: الْوَلَدِ (بِفَسْخٍ أَوْ فَلَسِ مُشْتَرٍ) فَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِيهِ إذَنْ؛ لِعَوْدِ الْمِلْكِ لِلْوَلَدِ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، فَكَأَنَّهُ مَا انْتَقَلَ (لَا) إنْ رَجَعَ الْمَبِيعُ لِلْوَلَدِ (بِنَحْوِ شِرَاءٍ) أَوْ اتِّهَابٍ؛ فَلَا رُجُوعَ لِأَبٍ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ لِلْوَلَدِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ إزَالَتَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْهُوبًا (وَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ) تَصَرُّفُ الِابْنِ فِي الرَّقَبَةِ تَصَرُّفًا (غَيْرَ نَاقِلٍ لِلْمِلْكِ كَإِجَارَةٍ وَمُزَارَعَةٍ) عَلَيْهَا (وَ) جَعْلُهَا مُضَارَبَةً فِي (عَقْدِ شَرِكَةٍ وَتَزْوِيجٍ وَتَدْبِيرٍ وَكِتَابَةٍ وَعِتْقٍ مُعَلَّقٍ) عَلَى صِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا وَوَطْءٍ مُجَرَّدٍ عَنْ إحْبَالٍ (وَكَذَا وَصِيَّةٌ) لَمْ تُقْبَضْ (وَهِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ) لِبَقَاءِ مِلْكِ الِابْنِ وَسَلْطَنَةِ تَصَرُّفِهِ (وَيَمْلِكُهُ) أَيْ: الرُّجُوعَ أَيْضًا (مَعَ بَقَاءِ إجَارَةٍ) بِحَالِهَا (وَ) مَعَ بَقَاءِ (كِتَابَةٍ وَتَزْوِيجٍ) كَاسْتِمْرَارِهِ مَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَلَدِ لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْأَبِ فِعْلًا فِي الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَهُ لِوَلَدِهِ تَسْلِيطٌ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَلَا كَذَلِكَ الشَّفِيعُ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ جَائِزًا كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُشَارَكَةِ؛ بَطَلَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ؛ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ حُكْمِهِ مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ مَعَهُ- وَقَدْ فَاتَ- بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَ(لَا) كَذَلِكَ (تَدْبِيرٌ) لِلرَّقِيقِ (وَتَعْلِيقُ) عِتْقِهِ بِصِفَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى حُكْمُهَا فِي حَقِّ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَصْدُرَا مِنْهُ (وَمَعَ عَوْدِهِ) أَيْ: الْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةِ الْمِلْكِ (لِلِابْنِ فَحُكْمُهَا بَاقٍ) لِعَوْدِ الصِّفَةِ (وَمَا قَبَضَهُ ابْنٌ مِنْ مَهْرِ) أَمَةٍ زَوَّجَهَا قَبْلَ رُجُوعِ أَبِيهِ (وَ) مِنْ دَيْنِ (كِتَابَةٍ وَ) مِنْ (أَرْشِ) جِنَايَةٍ عَلَى الرَّقِيقِ (وَ) مِنْ (مُسْتَقَرِّ أُجْرَةٍ فَلَهُ) أَيْ: الِابْنِ دُونَ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ (وَلَا رُجُوعَ) لِلْأَبِ (فِيمَا أَبْرَأَهُ) أَيْ أَبْرَأَ وَلَدَهُ (مِنْ دَيْنٍ) كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ بِهِ بَعْدَ أَنْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ لَا تَمْلِيكٌ. (وَلَا يَصِحُّ رُجُوعٌ) مِنْ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ (إلَّا بِقَوْلٍ كَ) أَنْ يَقُولَ: (رَجَعْت فِي هِبَتِي أَوْ ارْتَجَعْتهَا أَوْ رَدَدْتهَا وَنَحْوَهُ) كَعُدْت فِيهَا أَوْ أَعَدْتهَا إلَى مِلْكِي وَنَحْوَ ذَلِكَ (مِمَّا يَدُلُّ) عَلَى الرُّجُوعِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالْأَكْمَلُ رَجَعْتُ فِيمَا وَهَبْتُ لَكِ مِنْ كَذَا، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْوَلَدُ بِرُجُوعِ أَبِيهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَلَا يَحْتَاجُ الرُّجُوعُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ؛ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ كَفَسْخِ مُعْتَقَةٍ تَحْتَ عَبْدٍ، (وَلَا) يَثْبُتُ الرُّجُوعُ (بِتَصَرُّفِهِ) أَيْ: الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ بَعْدَ قَبْضِ الِابْنِ (أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ التَّصَرُّفِ بِالْعَيْنِ؛ بِأَنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الَّتِي وَهَبَهَا لِابْنِهِ، وَأَقْبَضَهَا لَهُ (وَلَوْ نَوَى) الْأَبُ (بِهِ) أَيْ: بِالتَّصَرُّفِ أَوْ الْوَطْءِ (الرُّجُوعَ) لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثَابِتٌ يَقِينًا، فَلَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَهُوَ صَرِيحُ الْقَوْلِ.
تَنْبِيهٌ:
اعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِرُجُوعِ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ وَكُلُّهَا مَعْلُومَةٌ مِمَّا تَقَدَّمَ:
الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ بَاقِيَةً أَوْ بَعْضَهَا فِي مِلْكِ الْوَلَدِ إلَى رُجُوعِ أَبِيهِ؛ فَلَا رُجُوعَ فِيمَا أَبْرَأَهُ وَلَدُهُ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا [فِي] مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا، وَلَا فِيمَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ لَازِمَةٍ أَوْ وَقْفٍ.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً فِي يَدِ الْوَلَدِ وَتَصَرُّفِهِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَتِهَا؛ فَلَا رُجُوعَ فِي قِيمَةِ تَالِفٍ، وَلَا فِي أَمَةٍ اسْتَوْلَدَهَا الِابْنُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِ سَيِّدِهَا، فَلَوْ تَصَرَّفَ الِابْنُ بِمَا لَا يَمْنَعُهُ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَطْءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْإِحْبَالِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْإِجَارَةِ وَالْمُزَارَعَةِ عَلَيْهَا وَجَعْلِهَا مُضَارَبَةً. وَتَعْلِيقِ عِتْقٍ بِصِفَةٍ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ رُجُوعُ الْأَبِ؛ لِبَقَاءِ تَصَرُّفِ الِابْنِ، فَإِذَا رَجَعَ، فَمَا كَانَ مِنْ الْمُتَصَرِّفِ لَازِمًا كَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْكِتَابَةِ؛ فَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ.
الثَّالِثُ: أَنْ لَا تَزِيدَ الْعَيْنُ عِنْدَ الْوَلَدِ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَسِمَنٍ وَكِبَرٍ وَحَمْلٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ قُرْآنٍ.
الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْأَبُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الرُّجُوعِ، فَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ.